التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
المسجد الحرام يؤمه المسلمون من أقطار الأرض المختلفة، وهذا يسبِّب حركة دائبة في المسجد، ولذا شُرِعَت قواعد فقهية خاصة بالمسجد الحرام.
جملة أحكام في حديث واحد جامع:
روى البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
"حَرَّمَ اللَّهُ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَلَا لِأَحَدٍ بَعْدِي أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا وَلَا تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ"
أولًا: لاَ يُخْتَلَى خَلاَهَا (الرطب من الكلأ الذي ينبت بنفسه)
ثانيًا: وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا (يُعْضَد أي يُقْطَع بالمعْضَد، وهو آلة كالفأس)
ثالثًا: وَلاَ يُنَفَّرُ صَيْدُهَا (لا يُزْعَج فضلًا عن أن يُصْطَاد)
رابعًا: وَلاَ تُلْتَقَطُ لُقَطَتُهَا إِلَّا لِمُعَرِّفٍ»
فَقَالَ العَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِلَّا الإِذْخِرَ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا؟ فَقَالَ: إِلَّا الإِذْخِرَ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا»، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «لِقَيْنِهِمْ وَبُيُوتِهِمْ» القين هم الحدَّادون يستخدمون الإذخر لإيقاد النار[1].
لُّقطة الحرم:
اللُّقَطَةُ هِيَ الْمَال الضَّائِعُ مِنْ رَبِّهِ يَلْتَقِطُهُ غَيْرُهُ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ لُقَطَةِ الْحَرَمِ وَالْحِل فِي الأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ مِنْ أَنَّ أَخْذَهَا مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ التَّمَلُّكِ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا، وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِوُجُوبِ الأَخْذِ إِذَا خَافَ الضَّيَاعَ، وَهِيَ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الآْخِذِ (الْمُلْتَقِطِ)، وَيُشْهِدُ عَلَى أَخْذِهَا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَلَا يَكْتُمُ، وَلَا يُغَيِّبُ، فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِلَاّ فَهُوَ مَال اللَّهِ عَزَّ وَجَل يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ"[2]. وَيَجِبُ تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ إِلَى سَنَةٍ أَوْ إِلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ صَاحِبَهَا لَا يَطْلُبُهَا.
وَفِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَقَوْل الْبَاجِيِّ وَابْنِ رُشْدٍ وَابْنِ الْعَرَبِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّهُ لَا تَحِل لُقَطَةُ الْحَرَمِ لِلتَّمَلُّكِ بَل تُؤْخَذُ لِلْحِفْظِ وَيَجِبُ تَعْرِيفُهَا أَبَدًا، لِحَدِيثِ: فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ، لَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَاّ مَنْ عَرَّفَهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ لُقَطَةِ غَيْرِ الْحَرَمِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهَا لَا تَحِل إِلَاّ لِلتَّعْرِيفِ، وَلَمْ يُوَقِّتِ التَّعْرِيفَ بِسَنَةٍ كَغَيْرِهَا. فَدَل عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ التَّعْرِيفَ عَلَى الدَّوَامِ. وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ حَرَمَ مَكَّةَ شَرَّفَهَا اللَّهُ تَعَالَى مَثَابَةٌ لِلنَّاسِ يَعُودُونَ إِلَيْهِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الأُخْرَى، فَرُبَّمَا يَعُودُ مَالِكُهَا أَوْ يَبْعَثُ فِي طَلَبِهَا بَعْدَ السَّنَةِ[3].
خامسًا: تغليظ الدية لمن قتل في الحرم المكي:
هذه مسألة خلافية، وقد قضى فيها بعض الخلفاء الراشدين كعمر وعثمان بتغليظ الدية على مَنْ قتل في الحرم المكي، وجعلوا الدية دية وثلث دية
عَنْ مُجَاهِدٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى فِيمَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ بِالدِّيَةِ وَثُلُثِ الدِّيَةِ[4].
وفي البيهقي عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلًا، أَوْطَأَ امْرَأَةً بِمَكَّةَ، فَقَضَى فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، بِثَمَانِيَةِ آلَافٍ دِيَةٍ وَثُلُثٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ: ذَهَبَ عُثْمَانُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى التَّغْلِيظِ لِقَتْلِهَا فِي الْحَرَمِ، وعَنْ سَعِيدٍ بن الْمُسَيِّبِ، فِي الَّذِي يَقْتُلُ فِي الْحَرَمِ قَالَ: دِيَةٌ وَثُلُثُ دِيَةٍ، وعَنْ عَطَاءٍ: فِي قَتِيلِ الْحَرَمِ وَالْمُحْرِمِ دِيَةٌ وَثُلُثُ دِيَةٍ.
ونقل ابن قدامة عدم التغليظ عند طائفة من العلماء مثل الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْجُورْجَانِيِّ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، وكذا عن عمر بن عبد العزيز.
ودليلهم ما رُوِي عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْكَعْبِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ".. ثُمَّ أَنْتُمْ يَا خُزَاعَةُ، قَدْ قَتَلْتُمْ هَذَا الْقَتِيلَ مِنْ هُذَيْلٍ، وَأَنَا وَاللَّهِ عَاقِلُهُ، فَمَنْ قَتَلَ بَعْدَهُ قَتِيلًا فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيَرَتَيْنِ: إِنْ أَحَبُّوا قَتَلُوا، وَإِنْ أَحَبُّوا أَخَذُوا الْعَقْلَ"، وفي رواية "الدية". وهذا القتيل كان بمكة، ولم يزد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدية[5].
وعند البيهقي أيضًا عن مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: "وَفِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ"[6]، ولم يحدِّد استثناءات، ومع ذلك يرى الشافعية والحنابلة تغليظ العقوبة بالحرم، ويخالفهم في ذلك الحنفية، والمالكية.
سادسًا: تَحْرِيمُ الْقِتَال فِيهِ، وَسَفْكِ الدِّمَاءِ:
روى النسائي وأحمد وهو صحيح عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْعَدَوِيِّ أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ فِيهَا دَمًا.."[7]، لا يحل فيها بدأ القتال.
سابعًا: تحريم حمل السلاح:
روى مسلم عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا يَحِلُّ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْمِلَ بِمَكَّةَ السِّلَاحَ»[8].
وقال القاضي عياض: هذا محمول عند أهل العلم على حمله لغير ضرورة ولا حاجة، فإن كان خوف وحاجة إليها جاز، وهو قول مالك والشافعي وعطاء، وحجتهم دخول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عام القضية بأشرطة من السلاح؛ القراب بما فيه، ودخوله يوم الفتح وعلى رأسِه المغفر، وأنَّ للضرورة حالة، وكرهه الحسن البصري تمسكًا بظاهر هذا الحديث.
ثامنًا: منع إقامة الحدود على من ارتكب جريمة خارجها ولجأ إليها:
تحريم إقامة الحدود في الحرم على من ارتكب حدًّا خارج الحرم عند الحنفية والحنابلة، أما من ارتكب حدًّا داخل الحرم فيقام عليه الحدُّ بالحرم دون خلاف.
وأهمية ذلك في ان هناك من يرتكب جريمة خارج الحرم فيهرب إلى الحرم لينجو بأمانه، ورأى بعض العلماء، منهم ابن عباس، أن من فعل مثل هذه الجرائم يقاطعه المسلمون في الحرم فلا يجالسونه ولا يبايعونه ليضطر إلى الخروج من الحرم، ويرى آخرون، منهم ابن عمر، خلاف ذلك، وعن ابن عمر، قال: لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما هجته، وقال ابن بطَّال في شرح البخاري: وعلة هذه المقالة أن الله جعل الحرم أَمنا لمن دخله.
تاسعًا: منع دخول غير المسلمين إلى الحرم المكي:
ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم دخول غير المسلمين إلى حرم مكة، ولو كان مجتازًا مارًّا؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 28].
قال النووي رحمه الله: "يمنع كل كافر من دخوله، مقيما كان أو مارًا. هذا مذهبنا، ومذهب الجمهور"[9].
عاشرًا: منع نقل تراب وحجر الحرم إلى خارجه:
حرَّم الشافعية والحنابلة إخراج التراب والحجر، وأجاز الحنفية، أما النقل إلى الحرم، فجوَّزه الفقهاء إلا أن بعضهم قال مكروه، وعلى العكس من ذلك ماء زمزم، فقد سمح رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقله إلى خارج الحرم، والعلَّة أنه مستخلَف بعكس التراب والحجر.
روى الترمذي وهو صحيح عن عروة بن الزبير عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا كَانَتْ تَحْمِلُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَتُخْبِرُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَحْمِلُهُ»[10].
[1] البخاري: كتاب الجنائز: باب الإذخر والحشيش في القبر (1284).
[2] أبو داود: كتاب اللقطة، باب التعريف باللقطة (1709).
[3] «الموسوعة الفقهية الكويتية» (17/ 198، 199).
[4] السنن الكبرى البيهقي مشكول (8/ 71).
[5] البيهقي (16461).
[6] البيهقي: السنن الكبرى (8/ 100).
[7] النسائي: كتاب الحج، تحريم القتال فيه (3859)
[8] البخاري: كتاب الحج، باب النهي عن حمل السلاح بمكة بلا حاجة (1356)
[9] المجموع شرح المهذب (7/ 467).
[10] لمشاهد الحلقة من على يوتيوب اضغط هنا: من أحكام الحرم المكي
التعليقات
إرسال تعليقك